سورة النجم - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النجم)


        


{ما زاغ البصر وما طغى} يعني ما مال بصر النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك المقام وفي تلك الحضرة المقدسة الشريفة يميناً وشمالاً ولا جاوز ما رأى وقيل: ما أمر به وهذا وصف أدبه صلى الله عليه وسلم في ذلك المقام الشريف إذ لم يلتفت إلى شيء سوى ما أمر به.
وفي معنى الآية إن قلنا إن الذي يغشى السدرة فراش من ذهب أي لم يلتفت إليه ولم يشتغل به وفيه بيان أدبه صلى الله عليه وسلم إذ لم يقطع بصره عن المقصود وإن قلنا الذي يغشى السدرة هو نور رب العزة ففيه وجهان:
أحدهما: أنه صلى الله عليه وسلم لم يلتفت عنه يمنة ولا يسرة ولا يشتغل بغير مطالعة ذلك النور.
الوجه الثاني: ما زاغ البصر بصعقة ولا غشية كما أخبر عن موسى بقوله: {وخر موسى صعقاً} وذلك أنه لما تجلى رب العزة وظهر نوره على الجبل قطع نظره وغشي عليه ونبينا صلى الله عليه وسلم ثبت في ذلك المقام العظيم الذي تحار فيه العقول وتزل فيه الأقدام وتميل فيه الأبصار فوصف الله عز وجل قوة نبينا صلى الله عليه وسلم في ذلك المقام العظيم بقوله تعالى ما زاغ البصر وما طغى.
وقوله تعالى: {لقد رأى من آيات ربه الكبرى} يعني رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الآيات العظام وقيل: أراد ما رأى تلك الليلة في مسيره ورجوعه وقيل: معناه لقد رأى من آيات ربه الآيات الكبرى.
(م) عن عبد الله بن مسعود قال: لقد رأى من آيات ربه الكبرى. قال: رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح.
(خ) عنه قال لقد رأى من آيات ربه الكبرى قال رأى رفرفاً أخضر سد أفق السماء.
فصل من كلام الشيخ محيي الدين النووي في معنى قوله تعالى: {ولقد رآه نزلة أخرى} وهل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل ليلة الإسراء؟
قال القاضي عياض اختلف السلف والخلف هل رأى نبينا صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء فأنكرته عائشة كما وقع في صحيح مسلم. وجاء مثله عن أبي هريرة وجماعة وهو المشهور عن ابن مسعود وإليه ذهب جماعة من المحدثين والمتكلمين.
وروي عن ابن عباس أنه رآه بعينه ومثله عن أبي ذر وكعب والحسن وكان يحلف على ذلك وحكي مثله عن ابن مسعود وأبي هريرة وأحمد بن حنبل وحكى أصحاب المقالات عن أبي الحسن الأشعري وجماعة من أصحابه أنه رآه ووقف بعض مشايخنا في هذا وقال: ليس عليه دليل واضح ولكنه جائز ورؤية الله عز وجل في الدنيا جائزة وسؤال موسى إياها دليل على جوازها إذ لا يجهل نبي ما يجوز أن يمتنع على ربه.
واختلفوا في أن نبينا صلى الله عليه وسلم هل كلم ربه ليلة الإسراء بغير واسطة أم لا، فحكي عن الأشعري وقوم من المتكلمين أنه كلمه. وعزا بعضهم هذا القول إلى جعفر بن محمد وابن مسعود وابن عباس وكذلك اختلفوا في قوله: {ثم دنا فتدلى} فالأكثر على أن هذا الدنو والتدلي منقسم بين جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم أو مختص بأحدهما من الآخر أو من سدرة المنتهى.
وذكر ابن عباس والحسن ومحمد بن كعب وجعفر بن محمد وغيرهم أنه دنو من النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه أو من الله فعلى هذا القول يكون الدنو والتدلي متأولاً ليس على وجهه بل كما قال جعفر بن محمد الدنو من الله لا حد له ومن العباد بالحدود فيكون معنى دنو النبي صلى الله عليه وسلم وقربه منه ظهور عظيم منزلته لديه وإشراق أنوار معرفته عليه واطلاعه من غيبه وأسرار ملكوته على ما لم يطلع سواه عليه. والدنو من الله تعالى له إظهار ذلك وعظيم بره وفضله العظيم لديه ويكون قوله تعالى: {قاب قوسين أو أدنى} هنا عبارة عن لطف المحل وإيضاح المعرفة والإشراف على الحقيقة من نبينا صلى الله عليه وسلم ومن الله تعالى إجابة الرغبة وإبانة المنزلة هذا آخر كلام القاضي عياض.
قال الشيخ محيي الدين: وأما صاحب التحرير فإنه اختار إثبات الرؤية. قال: والحجج في المسألة وإن كانت كثيرة ولكن لا تتمسك إلا بالأقوى منها وهو حديث ابن عباس: «أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين» وعن عكرمة قال: سئل ابن عباس هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟ قال: نعم. وقد روي بإسناد لا بأس به عن شعبة عن قتادة عن أنس قال: رأى محمد ربه عز وجل وكان الحسن يحلف لقد رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل.
والأصل في المسألة حديث ابن عباس حبر هذه الأمة وعالمها والمرجوع إليه في المعضلات وقد راجعه ابن عمر في هذه المسألة وراسله هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل فأخبره أنه رآه ولا يقدح في هذا حديث عائشة لأن عائشة لم تخبر أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لم أر ربي وإنما ذكرت ما ذكرت متأولة لقول الله تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً} ولقوله: {لا تدركه الأبصار} والصحابي إذا قال قولاً وخالفه غيره منهم لم يكن قوله حجة وإذا قد صحت الروايات عن ابن عباس أنه تكلم في هذه المسألة بإثبات الرؤية وجب المصير إلى إثباتها لأنها ليست مما يدرك بالعقل ويؤخذ بالظن وإنما يتلقى بالسمع ولا يتسجيز أحد أن يظن بابن عباس أنه تكلم في هذه المسألة بالظن والاجتهاد وقد قال معمر بن راشد حين ذكر اختلاف عائشة وابن عباس ما عائشة عندنا بأعلم من ابن عباس ثم إن ابن عباس أثبت ما نفاه غيره والمثبت مقدم على النفي هذا كلام صاحب التحرير في إثبات الرؤية.
قال الشيخ محيي الدين فالحاصل أن الراجح عند أكثر العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه عز وجل بعيني رأسه ليلة الإسراء لحديث ابن عباس وغيره مما تقدم وإثبات هذا لا يأخذونه إلا بالسماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا مما لا ينبغي أن يتشكك فيه ثم إن عائشة لم تنف الرؤية بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان معها حديث لذكرته وإنما اعتمدت على الاستنباط من الآيات وسنوضح الجواب عنها فنقول: أما احتجاج عائشة رضي الله تعالى عنها بقوله تعالى: {لا تدركه الأبصار} فجوابه ظاهر، فإن الإدراك هو الإحاطة والله تعالى لا يحاط به وإذا ورد النص بنفي الإحاطة لا يلزم منه نفي الرؤية بغير إحاطة وهذا الجواب في نهاية الحسن مع اختصاره. وأما احتجاجها بقوله تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً} الآية، فالجواب عنه من أوجه: أحدها أنه لا يلزم مع الرؤية وجود الكلام حال الرؤية فيجوز وجود الرؤية من غير كلام، الوجه الثاني: أنه عام مخصوص بما تقدم من الأدلة.
الوجه الثالث: ما قاله بعض العلماء إن المراد بالوحي الكلام من غير واسطة وهذا القول وإن كان محتملاً لكن الجمهور.
على أن المراد بالوحي هنا إلهام والرؤية في المنام وكلاهما يسمى وحياً وأما قوله تعالى: {أو من وراء حجاب} فقال الواحدي وغيره معناه غير مجاهر لهم بالكلام بل يسمعون كلامه سبحانه من حديث لا يرونه وليس المراد أن هناك حجاباً يفصل موضعاً عن موضع ويدل على تحديد المحجوب فهو بمنزلة ما يسمع من وراء حجاب حيث لم ير المتكلم وقول عائشة في أول الحديث «لقد قف شعري» فمعناه قام شعري من الفزع لكوني سمعت ما لا ينبغي أن يقال تقول العرب عند إنكار الشيء: قف شعري واقشعر جلدي واشمأزت نفسي وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ذر «نور أني أراه» فهو بتنوين نور وبفتح الهمزة في أني وتشديد النون المفتوحة ومعناه: حجابه نور فكيف أراه قال الماوردي الضمير في أراه عائد على الله تعالى والمعنى أن النور يمنعني من الرؤية كما جرت العادة بإغشاء الأنوار الأبصار ومنعها من إدراك ما حال بين الرائي وبينه وفي رواية رأيت نوراً معناه: رأيت النور فحسب ولم أر غيره وفي رواية ذاته نور أني أراه ومعناه هو خالق النور المانع من رؤيته فيكون من صفات الأفعال ومن المستحيل أن تكون ذات الله نوراً إذ النور من جملة الأجسام والله يتعالى عن ذلك هذا مذهب جميع أئمة المسلمين والله أعلم.


{ومناة} قيل: هي لخزاعة كانت بقديد وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها في الأنصار كانوا يهلون لمناة وكانت حذو قديد وقيل: هي بيت بالمشلل كانت تعبد ه بنو كعب. وقيل: مناة، صنم لهذيل وخزاعة وكانت تعبد ها أهل مكة وقيل: اللات والعزى ومناة أصنام من الحجارة كانت في جوف الكعبة يعبد ونها {الثالثة الأخرى} الثالثة نعت لمناة إذ هي الثالثة في الذكر وأما الأخرى فإن العرب لا تقول الثالثة الأخرى وإنما الأخرى هنا نعت للثلاثة قال الخليل: قالها لوفاق رؤوس الآي كقوله: {مآرب أخرى} ولم يقل أخر.
وقيل: في الآية تقديم وتأخير تقديره أفرأيتم اللات والعزى الأخرى ومناة الثالثة.
وقيل: هي صفة ذم كأنه تعالى قال ومناة الثالثة المتأخرة الذليلة. فعلى هذا فالأصنام ترتب مراتب، وذلك لأن اللات كان صنماً على صورة آدمي والعزّى شجرة فهي نبات ومناة صخرة فهي جماد وهي في أخريات المراتب. ومعنى الآية: هل رأيتم هذه الأصنام حق الرؤية، وإذا رأيتموها علمتم أنها لا تصلح للعبادة لأنها لا تضر ولا تنفع وقيل: أفرأيتم أيها الزاعمون أن اللات والعزى ومناة بنات الله ألكم الذكر وله الأنثى. وقيل: كان المشركون بمكة يقولون: الأصنام والملائكة بنات الله وكان الرجل منهم إذا بشر بالأنثى كره ذلك فقال الله عز وجل منكراً عليهم {ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذاً قسمة ضيزى} قال ابن عباس: أي قسمة جائرة حيث جعلتم لربكم ما تكرهون لأنفسكم وقيل: قسمة عوجاء غير معتدلة {إن هي} أي ما هذه الأصنام {إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم} والمعنى: أنكم سميتموها آلهة وليست حقيقة ولا بمعبودة حقيقة وقيل: معناه قلتم لبعضها عزى ولا عزة لها فلا يكون لها مسمى حقيقة.
{ما أنزل الله بها من سلطان} أي حجة بما تقولون إنها آلهة {إن يتبعون إلا الظن} أي في قولهن إنها آلهة {وما تهوى الأنفس} يعني هو ما زين لهم الشيطان من عبادة الأصنام وقيل: وضعوا عبادتهم بمقتضى شهواتهم والذي ينبغي أن تكون العبادة بمقتضى الشرع لا بمتابعة هوى النفس {ولقد جاءهم من ربهم الهدى} أي البيان بالكتاب المنزل والنبي المرسل أن الأصنام ليست بآلهة وأن العبادة لا تصلح إلا لله الواحد القهار.


{أم للإنسان ما تمنى} معناه أيظن الكافر أن له ما يتمنى ويشتهي من شفاعة الأصنام أي ليس الأمر كما يظن ويتمنى {فلله الآخرة والأولى} أي لا يملك أحد فيها شيئاً أبداً إلا بإذنه وقيل: معناه أن الإنسان إذا اختار معبوداً على ما تمناه واشتهاه فلله الآخرة والأولى يعاقبه على فعله ذلك إن شاء في الدنيا والآخرة وإن شاء أمهله إلى الآخرة {وكم من ملك في السموات} أي ممن يعبد هم هؤلاء ويرجون شفاعتهم عند الله {لا تغني شفاعتهم شيئاً} يعني أن الملائكة، مع علو منزلتهم، لا تغني شفاعتهم، شيئاً فكيف تشفع الأصنام مع حقارتها ثم أخبر أن الشفاعة لا تكون إلا بإذنه فقال تعالى: {إلا من بعد أن يأذن الله} أي في الشفاعة {لمن يشاء ويرضى} أي من أهل التوحيد قال ابن عباس يريد لا تشفع الملائكة إلا لمن رضي الله عنه وقيل: إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء من الملائكة في الشفاعة لمن شاء الشفاعة له {إن الذين لا يؤمنون بالآخرة} يعني الكفار الذين أنكروا البعث {ليسمون الملائكة تسمية الأنثى} أي بتسمية الأنثى حيث قالوا إنهم بنات الله. فإن قلت كيف قال تسمية الأنثى ولم يقل تسمية الإناث.
قلت المراد منه بيان الجنس وهذا اللفظ أليق بهذا الموضع لمناسبته رؤوس الآي وقيل: إن كل واحد من الملائكة يسمونه تسمية الأنثى وذلك لأنهم إذا قالوا الملائكة بنات الله فقد سموا كل واحد منهم بنتاً وهي تسمية الأنثى {وما لهم به من علم} يعني بالله فيشركون به ويجعلون له ولداً وقيل: ما يستيقنون أن الملائكة أناث {إن يتبعون إلا الظن} يعني في تسمية الملائكة بالإناث {وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً} يعني لا يقوم الظن مقام العلم الذي هو الحق وقيل معناه إنما يدرك الحق الذي هو حقيقة الشيء بالعلم واليقين لا بالظن والتوهم وقيل: الحق هو الله تعالى والمعنى أن الأوصاف الإلهية لا تستخرج بالظنون {فأعرض عمن تولى عن ذكرنا} يعني القرآن.
وقيل: عن الإيمان {ولم يرد إلا الحياة الدنيا} يعني أنهم لا يؤمنون بالآخرة حتى يردوها ويعملوا لها وفيه إشارة إلى إنكارهم الحشر ثم صغر رأيهم فقال تعالى: {ذلك مبلغهم من العلم} أي ذلك نهاية علمهم وقلة عقولهم أن آثروا الدنيا على الآخرة وقيل: معناه أنهم لم يبلغوا من العلم إلا ظنهم أن الملائكة بنات الله وأنهم يشفعون لهم فاعتمدوا على ذلك وأعرضوا عن القرآن والإيمان {إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى} أي هو عالم بالفريقين ويجازيهم بأعمالهم.

1 | 2 | 3 | 4